مقالات وبحوث

استراتيجية “الإسفنجة” واستراتيجية “فرز الذهب” وحالنا نحن العرب!!

بقلم: أ.د.دخيل بن عبدالله الدخيل الله

يميز الفيلسوف التربوي “ستيورت كلي” بين استراتيجيتين في التفكير عادة مايأخذ بها الأفراد والجماعات عند القراءة أو الاستماع أو الكتابة والنقل عن الآخر . وكذا حال مناقشتهم لأي مسألة تخصهم. الأولى : استراتيجية ” الإسفنجة ” ، وتتلخص في تلقي الفرد للمعلومة والحرص على جمع أكبر قدر منها . ثم تنظيمه وصفه وتبويبه في ذهنه . واستدعائه عند الحاجة له دون سابق فحص له و تمحيص ، أو موقف ناقد له منه . ويترتب على ذلك أن يتعلق بما خزن من معلومة تعلقا يجعله يتطرف في الدفاع عنها دفاعا مستميتا . ويمجد مصدرها تمجيدا بليدا ، منزها إياه من كل عيب و يدرأ عنه أي خطأ. هذا إن لم يصف مصدرها بالمقدس. ويضفي على صاحبها القداسة، لدرجة يستحيل معها التحقق من سلامة وصحة تلك المعلومة. لذا تجده لا يسمح لغيره بإبداء الرأي فيها، و لا أن يقف موقفا ناقدا منها. وهذه حال – مع الأسف الشديد – كثير من أشباه المثقفين لدينا والقراء والكتاب وناقلة الأفكار . ولا ينجوا من ذلك نفر من الأكاديميين، أصحاب الشهادات العليا، فكم أصموا آذاننا بكيل المديح لكل شاذ من الأفكار، لايملون نشر ماهب و دب من المعلومات والأفكار، وإن كانت غير ذي معنى و لا جدوى. وهم بذلك أشبه مايكونون بالإسفنجة عند ما تمتص ما يعلق بها من ماء . إذ تجدها تختزنه وعند عصرها بسهولة تقذف به. لكنهم لم يسعفونا قط بنقد محكم لما ينقلون منه و عنه. ينبئ عن عقل راشد و تفكير ناقد لا أسير وعبد مطيع تابع . فأوصدوا بذلك أبواب التفكيرالناقد . وشرعوا النوافد للاتباع الجامد. وكانت النتيجة أن اجتروا مقولات لآخرين لافائدة منها لهم ، ولا لأوطانهم سوى النقل و الاجترار لما يكتب ويقال.
الثانية : استراتيجية “فرز الذهب”. على النقيض من سابقتها . إذ يضع القارئ أو المستمع أو الكاتب أو الناقل للمعرفة انفعالاته وتحيزاته جانبا. ويجتهد في التخلص بكل قوة وثقة من ربقة ارتباطه العاطفي – الانفعالي بمن يقرأ له أو يسمع منه أو ينقل عنه. ويعمد إلى تقويم أي عمل يقع بيده ، يقظا من أن لا يقع أسيرا لمصدره. فلا يسلم عقله لمن يقرأ له أو يستمع له أو ينقل عنه أو يجعله يفكر عنه. عينه شاخصة محدقة بكل مايعرض لها من أفكار و معلومات. إذ عقله متوثب بحثا عن المفيد منها. تعود أن ينأى بنفسه عن سقط الكلام والولع بنقل الترهات. لا يسلم بالفكرة إلا بعد اقتناع قوامه البينة والحجة والدليل والبرهان. لامكان لديه لقبول الزخرف اللفظي. وغاية ما يتطلع له العمق المعرفي المحكوم بالضبط المنهجي. ولعل تجاهلنا نحن عرب الأمس واليوم لاستراتيجية “فرز الذهب”، وأخذنا بكل قوة باستراتيجية “الأسفنجة” منذ بدايات عصرالنهضة وحتى الآن هو السبب الرئيس وراء كل مظهر من مظاهر التخلف الذي تحياه بلادنا العربية والإسلامية، على الرغم من امتلاكها لكل مقومات التقدم والنهوض، بدءا بالمصادر، و مرورا بالأدوات، وانتهاءا بقوة البشر .

زر الذهاب إلى الأعلى