مقالات وبحوث

غزة: شكوى جنوب أفريقيا خطوة شجاعة يجب أن تُتبع بخطوات مماثلة من دولٍ عربية وإسلامية!

بقلم: ناجي حرج

تقدّمت حكومة جمهورية جنوب أفريقيا، بتأريخ 29 ديسمبر/كانون الأول 2023، بدعوى الى محكمة العدل الدولية في لاهاي بخصوص الجرائم التي يرتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لمنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. وطالبت بأن تعلن المحكمة، على أساسٍ عاجل، أن (إسرائيل) تنتهك التزاماتها بموجب الاتفاقية، ويجب أن تتوقف فورًا عن جميع الأعمال والتدابير المخالفة، وأن تتخذ بموجب تلك الالتزامات عددٍ من الإجراءات ذات الصلة ومنها الوقف الفوري لكلّ العمليات العسكرية.

وقد عيّنت جنوب أفريقيا السيد فوسي مادونسيلا، سفيرها المفوّص فوق العادة لدى مملكة هولندا، في لاهاي، كممثل لها في الدعوى. والسيد مادونسيلا، هو محامٍ مُعتمد لدى المحكمة العليا في جنوب أفريقيا، وقد تبوأ مناصب مهمّة في شؤون العدل والتطوير الدستوري، كما يتمتع بخبرة دولية واسعة في مجالات القانون والسياسة الاجتماعية

لماذا جنوب أفريقيا؟

تقدّمت جنوب أفريقيا بهذه الدعوى باعتبارها دولة طرف في اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها (اعتمدت في 9 ديسمبر 1948، ودخلت حيّز النفاذ في 12يناير 1951). وبموجب الإتفاقية، فانّ كل الدول الأطراف، ملزمة بمنع حدوث جرائم الإبادة الجماعية. لكنّ ليس كلّ الدول تحترم هذه الإلتزامات، وإنما تلك الدول التي تحافظ على مكانتها في المنظومة الدولية من خلال المواقف وليس التنازلات!

كان يُفترض أن تبادر الدول العربية بتقديم الدعوى، فهي طرف في الإتفاقية، وهي المتأثرّة مباشرة بعمليات الإبادة في غزّة – خاصّة مع إصرار الاحتلال ومناصروه من الدول الغربية على ترحيل الفلسطينيين اليها – إلاّ أنّها فضّلت المسار الذي تسير عليه منذ عام 1948 ولحدّ الآن والذي لم ينجم عنه سوى النكبات والنكسات والإنكسارات!

اكدّت جنوب أفريقيا في حيثيات الدعوى أنّها تشعر بقلقٍ بالغ إزاء محنة المدنيين الفلسطينيين الذين وقعوا فريسة للهجمات الإسرائيلية الحالية على قطاع غزة بسبب الاستخدام العشوائي للقوة والتهجير القسري للسكان. وأضافت، أنّ هنالك تقارير مستمرّة عن ارتكاب جرائم دولية، مثل الجرائم ضدّ الإنسانية وجرائم الحرب، بالإضافة إلى تقارير تفيد بأن الأفعال تصل إلى عتبة الإبادة الجماعية أو الجرائم ذات الصلة على النحو المحدّد في اتفاقية عام 1948 لمنع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، قد تمّ ارتكابها، أو ارتُكبت، وربما لا تزال تُرتكب، في سياق المجازر المستمرّة في غزة.

خطوة جنوب أفريقيا، هي خطوة شجاعة، وهي تحرّك قانوني سليم طبقاً لإلتزاماتٍ دولية، ولا بدّ من التأكيد أن دولة جنوب أفريقيا قدّ سبق وأن أحالت ملف الجرائم المُرتكبة في غزّة إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي من أجل محاكمة القادة الإسرائيليين على ما يقترفونه ضدّ الشعب الفلسطيني. ويُفترض أن يدفع هذا التحرّك الدول العربية والإسلامية التي تدّعي حنقها على الإنتهاكات والجرائم الإسرائيلية في غزّة أن تنّظمَّ إلى جنوب أفريقيا في شكواها الى محكمة العدل الدولية في أقلّ تقدير مما يعطي زخماً أكبر للدعوى، وبنفس الوقت فهي لا تقوم بشيء خارج المألوف بل تنفذ إلتزاماً دولياً مفروضاً عليها في منع جريمة الإبادة الجماعية.

زر الذهاب إلى الأعلى