قانونان لـ«المصالحة الوطنية» في ليبيا، الأول يُعده مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، وعلى وشك إصداره، والثاني دفع به «المجلس الرئاسي» بقيادة محمد المنفي، إلى البرلمان من فبراير (شباط) الماضي، وينتظر الموافقة عليه.
والطرفان الداعيان للمصالحة تقطّعت بينهما السبل، ودخلا في مشاحنات على خلفيات تتعلق بالسلطة والصراع على «الصلاحيات القانونية»، وراهناً يتسابقان على إدارة ملف المصالحة.
وفيما بات يمكن أن يطلق عليه وجود كتلة من «المتخاصمين الكبار» في ليبيا، يرى متابعون أن الأمر أضحى يتطلب «مصارحة قبل المصالحة بين الساسة».
ومنذ رحيل نظام الرئيس معمر القذافي عام 2011، شهدت ليبيا اشتباكات وخلافات مناطقية، بعضها يرتبط بتصفية حسابات مع النظام السابق، والبعض الآخر كرّسه الانقسام السياسي الذي عرفته ليبيا بداية من عام 2014.
وعقب تسلّم «المجلس الرئاسي» السلطة، أطلق في يونيو (حزيران) 2022، ما يسمى «الرؤية الاستراتيجية لمشروع المصالحة الوطنية»، بقصد إنهاء الخلافات والعداوات المتراكمة منذ رحيل القذافي.
وفي هذا الشأن، يقول محمد المبشر، رئيس «مجلس أعيان ليبيا للمصالحة»: «من الجيد أن تدعو تلك الأطراف، إلى المصالحة؛ لكن من غير الممكن أن يُعهد لأحد منها قيادة هذا الملف… المصالحة بحاجة إلى هيئة مستقلة تحظى بثقة الجميع، وتستطيع الانطلاق بعيداً عن أي استقطاب سياسي».
بشرق ليبيا، إنه يعمل منذ أشهر على ملف المصالحة. وخلال لقائه بعدد من مشايخ وأعيان وحكماء بالمنطقة الغربية في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، قال صالح إن مجلسه «سيصدر في الأيام المقبلة قانون العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية».
وخلال العامين الماضيين، احتضنت أكثر من مدينة ليبية اجتماعات اللجنة التحضيرية لمؤتمر المصالحة، التي رعاها «المجلس الرئاسي». وظلت المساعي تُبذل على أمل عقد «مؤتمر وطني جامع للمصالحة»، بمدينة سرت في 28 أبريل (نيسان) الماضي، لكنها تعثرت بعد تصاعد الأزمات.
وكانت أطياف ليبية كثيرة شاركت في الاجتماعات التحضيرية لـ«المصالحة الوطنية»، من بينها الفريق الممثل لسيف الإسلام معمر القذافي، قبل أن تنسحب تباعاً لأسباب من بينها عدم الإفراج عن بعض رموز النظام السابق من السجن، والدفاع عن «نسبة مشاركتهم» في الاجتماعات التحضيرية للمؤتمر.
غير أن المبشر، يعتقد في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن «المشكلة اليوم تكمن في أن كل من يملك سلطة في ليبيا هو في الوقت ذاته طرف سياسي، ما يجعل من الصعب ضمان حيادية أو نزاهة عملية المصالحة».
لذا يقول: «يجب أن نعي أن المصالحة ليست مجرد دعوة للسلام؛ بل هي عملية معقدة تتطلب قيادات محايدة قادرة على تيسير حوار بناء وعادل بين مختلف الأطراف بعيداً عن المنافع السياسية».
ويتحدث صالح عن القانون الذي يقول إن مجلسه «على وشك إصداره»، وبينما يشير إلى أنه «صيغ تحت مبادئ العدالة النزيهة وإحقاق الحق وجبر الضرر بتعويض المتضررين وإتمام المصالحة العرفية الاجتماعية والقانونية»، نوّه بأن تطبيقه «سيُنهي كثيراً من القضايا العالقة، ويجمع أبناء الوطن على كلمة واحدة»
رغم ذلك، يواصل «المجلس الرئاسي» العمل على استئناف عمل اللجنة التحضيرية لمؤتمر «المصالحة الوطنية» الذي يرعاه، داعياً مجلس النواب إلى الإسراع في إقرار مشروع قانون المصالحة المحال إلى البرلمان منذ فبراير الماضي «دون إجراء أي تعديلات، في جلسة شفافة صحيحة الانعقاد».
مع ذلك، يقول مجلس النواب إنه يمضي في طريق إنجاز المصالحة المعطلة، وذلك بعدما أطلق في 16 نوفمبر الماضي، «ملتقى المصالحة الوطنية» الذي نظمته لجنة «العدل والمصالحة الوطنية» بالمجلس تحت عنوان «المصالحة مسؤولية اجتماعية تاريخية».
وسبق أن انسحب ممثلو القيادة العامة لـ«الجيش الوطني» الليبي من المشاركة في ملف المصالحة، رداً على سحب رئيس «المجلس الرئاسي» قرار ضم «قتلى وجرحى» قوات الجيش إلى «هيئة الشهداء».
وبشأن هؤلاء «المتخاصمين الكبار»، يرى سياسي ليبي أنه أولى بهم إنهاء ما بينهم من خصومة وصراع على السلطة، قبل البدء في إدارة هذه العملية، وقال لـ«الشرق الأوسط» رافضاً ذكر اسمه، إن «ساسة ليبيا جميعهم في حاجة إلى مصارحة قبل المصالحة، الأمر لا يتوقف على المنفي وصالح فقط؛ لدينا المشري وتكالة، وحفتر والدبيبة، وآخرون»، في إِشارة إلى خالد المشري ومحمد تكالة المتصارعين على رئاسة «المجلس الأعلى» للدولة، بالإضافة إلى المشير خليفة حفتر القائد العام لـ«الجيش الوطني» وعبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة «الوحدة».
ويأتي هذا التناحر بين الأطراف الليبية بينما يسعى الاتحاد الأفريقي إلى إحداث اختراق في مسار «المصالحة الوطنية» المتعثر. وسبق أن لعب الاتحاد دوراً ملحوظاً مع «المجلس الرئاسي» لجهة تحريك هذا المسار من خلال المساعي التي بُذلت، بداية من اجتماعات شهدتها المدن الليبية، وصولاً إلى عقد لقاءات بالكونغو برازافيل، قبل أن تتجمد هذه الجهود لأسباب كثيرة.
وفي 13 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ترأس وفد الاتحاد، الذي زار طرابلس، الرئيس الحالي للاتحاد؛ الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، وضم رئيس مفوضية الاتحاد موسى فكي، وممثل رئيس الكونغو برازافيل، رئيس لجنة الاتحاد رفيعة المستوى المعنية بليبيا، وزير الخارجية جان كلود جاكوسو.
وفي ظل العثرات التي تواجه ملف المصالحة، يقول المبشّر إن «الطريق نحو السلم والاستقرار في ليبيا محفوف بتحديات؛ لكن الإرادة السياسية الصادقة والقدرة على التنفيذ يمكن أن تصنعا الفارق»، مذكراً بأنه «منذ عام 2011، مرَّ ملف المصالحة في ليبيا بمراحل عدة شهدت خلالها محاولات كثيرة للبحث عن حلول؛ لكنها كانت دائماً محاطة بالتحديات».
من جانبه، يقول الدكتور عقيلة دلهوم، رئيس «اللجنة الحقوقية والإعلامية لهانيبال القذافي»، في حوار لقناة «الجماهيرية العظمى»، إن المُصالحةُ التي يدعو إليها من سماهم «المغامرين، نحن قد وضعنا أُسسها منذ سنوات مضت، ولن نَقبل بأيّ تسوية خارج هذه الأُسس، حتى لو انشقَّت الأرض من تحتِ أقدامنا».