هل تقف الصهيونية على حافة التاريخ؟
بقلم: محمد الجدعي
الدكتور إيلان بابي، المؤرخ الإسرائيلي البارز، يُعرف بآرائه الجريئة والمثيرة للجدل حول الصهيونية وتاريخ إسرائيل. بابي، الذي يتبنى منهجية نقدية للتاريخ الرسمي، يُعد واحدًا من أبرز المفكرين الذين يقدمون قراءة مختلفة للصهيونية وأصولها الاستعمارية. في هذه المقابلة، يقدم لنا بابي رؤيته حول تطور الصهيونية والتحديات التي تواجهها اليوم.
تأسست الحركة الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر كرد فعل على معاداة السامية في أوروبا، وسعت إلى إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. ومع ذلك، يوضح بابي أن الصهيونية لم تكن مجرد حركة دينية، بل كانت حركة قومية استعمارية. يشير بابي إلى أن «الصهيونية استندت إلى فكرة استعمارية تهدف إلى إخلاء الأرض من سكانها الأصليين لضمان أغلبية يهودية».
في البداية، كانت الحركة الصهيونية تقف على أسس علمانية، حيث كان العديد من قادتها يعتبرون الدين جزءًا من التراث الثقافي وليس هوية قومية. ومع ذلك، استخدمت الحركة الدين كوسيلة لإقناع اليهود المتدينين بدعم المشروع. يقول بابي: «تم إقناع بعض الحاخامات لدعم المشروع الصهيوني عن طريق الترويج لفكرة الخلاص والعودة إلى أرض الميعاد». هذا الاستخدام التكتيكي للدين ساعد في تحويل الفكر الغربي تدريجيًا للنظر إلى اليهود كقومية وليس فقط كدين، مما كسب الحركة دعماً دولياً واسعاً.
أحداث النكبة عام 1948 تُعد من أبرز الأمثلة على هذا التوجه الاستعماري. النكبة، التي شهدت تهجير أكثر من 750000 فلسطيني وتدمير 500 قرية، كانت بحسب بابي عملية تطهير عرقي ممنهجة تهدف إلى خلق واقع ديموغرافي جديد في فلسطين. يقول بابي: «النكبة لم تكن مجرد حرب، بل كانت خطة مدروسة لإزالة الفلسطينيين من أراضيهم وتحقيق أغلبية يهودية». يتناول بابي النكبة بتفاصيل مؤلمة، مشيرًا إلى أن هذه الأحداث تركت جروحًا عميقة في الذاكرة الجماعية للفلسطينيين وما زالت تؤثر على الوضع الحالي. يوضح بابي أن «تداعيات النكبة لا تزال واضحة اليوم، حيث يعيش الملايين من الفلسطينيين كلاجئين، محرومين من حقوقهم الأساسية ومن إمكانية العودة إلى ديارهم».
إسرائيل اليوم تقف أمام تحديات ديموغرافية وسياسية ضخمة. تزايد عدد الفلسطينيين داخل إسرائيل وفي الأراضي المحتلة يمثل تهديدًا حقيقيًا للطابع اليهودي للدولة. وفقًا لإحصائيات حديثة، يُتوقع أن يتفوق عدد الفلسطينيين على اليهود بين نهر الأردن والبحر المتوسط خلال العقد القادم، مما يشكل تحديًا كبيرًا للهوية الديموغرافية لإسرائيل. الانتقادات الدولية المتزايدة لسياسات إسرائيل القمعية تزيد من عزلتها على الساحة العالمية، مما يضعها في موقف حرج. الأمثلة تشمل قرارات الأمم المتحدة المتكررة التي تدين المستوطنات الإسرائيلية وسياسات الفصل العنصري في الأراضي المحتلة.
ولا يمكن تجاهل الانقسامات الداخلية العميقة التي تواجه إسرائيل. الصراعات بين التيارات الدينية والعلمانية، والتوترات بين اليهود الشرقيين (السفارديم) والغربيين (الأشكناز)، والانقسام بين اليمين المتطرف واليسار، كل ذلك يزيد من تعقيد الوضع الداخلي. بابي يشير إلى أن هذه الانقسامات تزيد من هشاشة المشروع الصهيوني، وتجعل من الصعب تحقيق توافق داخلي حول السياسات المستقبلية. على سبيل المثال، الخلافات حول قانون «الدولة القومية» لعام 2018 الذي يعزز الهوية اليهودية للدولة على حساب الأقليات غير اليهودية أثارت جدلاً واسعاً وأدت إلى احتجاجات داخلية ودولية.
في ظل هذه الظروف، يتنبأ بابي بنهاية وشيكة للمشروع الصهيوني. يوضح أن استمرار المقاومة الفلسطينية، سواء كانت سلمية أو مسلحة، والتغيرات السياسية والديموغرافية، تجعل من الصعب على إسرائيل الحفاظ على الوضع الراهن. يرى بابي أن هذه العوامل قد تجبر إسرائيل على إعادة النظر في سياساتها وتبني حلول أكثر عدالة واستدامة.
في النهاية، يؤكد بابي أن العدالة هي الأساس لأي حل مستدام. يدعو إلى المصالحة والاعتراف بالظلم التاريخي الذي تعرض له الفلسطينيون. يرى أن نموذج الدولة الواحدة، التي تجمع بين الإسرائيليين والفلسطينيين على أساس المساواة والحقوق المتساوية، قد يكون الحل الأمثل.
تقدم هذه المقابلة مع إيلان بابي رؤية جريئة وصادمة من مؤرخ إسرائيلي يهودي حول تاريخ ومستقبل الصهيونية وإسرائيل، داعية إلى إعادة التفكير في الحلول الممكنة للصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، والتركيز على العدالة والمصالحة كشرط أساسي للسلام الدائم.
لمشاهدة المقابلة الكاملة، يمكنكم مشاهدتها على يوتيوب…